من هم السلاجقة وأين نشأت دولتهم وماذا كانت أهميتها ؟
يتردد على الأسماع كثيراً كلمة السلاجقة .. ! لعلَّ الكثير من الناس لا يعرفون من هم السلاجقة ؟!
السلاجقة هم قوم من الجنس التركي ، وهؤلاء القوم نشأت لهم دولة في القرن الخامس الهجري لكن أهميتهم تنبع من أمرين :
البداية أن هذه الدولة التي نشأت تمددت تمدُداً واسعاً فشملت من بداية أفغانستان حتى وصلت إلى حدود الأناضول، وكذلك سيطرت على كل ما هو بين هذين الساحتين ( بغداد والشام والأجزاء الشمالية في القوقاز وأذربيجان وأرمينيا وما فيها في تلك المنطقة ) .
الأهمية الثانية : أنهم أنقذوا الخلافة العباسية من السيطرة الشيعية البويهية ، فالخلافة العباسية ظلت مائة عام تقريباً تحت السيطرة الشيعية البويهيَّة ، والبوهيين هم قوم اجتمع فيهم الشران .. شر أنهم من الرافضة ، والشر الثاني أنهم عسكريون ، فكانوا هم الدولة الوحيدة التي ظلت تتلقى ضربات الروم البيزنطيين في صمت لم تحاول أن تتصدى لأي ضربات من الروم ولم يكن لهم معركة كبرى كما كان للأمويين أو العباسيين أو حتى الأتراك المسيطرين على الخلافة العباسية ، ولم يكن لهم كما كان للسلاجقة أو للعثمانيين.
ماذا فعل السلاجقة لإنقاذ الخلافة العثمانية من حكم البويهيين ؟ وماذا حدث للخلافة العثمانية بعد ذلك ؟
ساءت أحوال الخلافة العباسية تحت السيطرة العسكرية البويهية ، وفي ذلك الوقت نشأت الفتن المذهبية بين السنة والشيعة في العراق ، وكان يوجد في كل عام عدداً من الفتن التي تتكرر.
الخُلاصة أن الدولة السلجوقية هي التي خلصت الدولة العباسية أو الخلافة العباسية من هذه السيطرة العسكرية ، و لكن الحقيقة أن الخلافة العباسية أصبحت مستقلة شكلياً ، ولكنها عملياً خاضعة لحكم السلاجقة !.
من هو المجاهد الفاتح الذي حمل اسم الأسد الثائر؟
البداية كانت من مؤسس هذه الدولة اسمه وهو طغرل بك ، لكن بطل القصة هو ابن أخيه ألب أرسلان و معنى اسم ألب أرسلان في اللغة التركية " الأسد الثائر أو الأسد الهائج " ، حكم ألب أرسلان وهو في سن الخامسة والثلاثين من عمره وكان الاشتباك القائم في ذلك الوقت في المناطق الموجودة في شمال بلاد الشام .
كانت الدولة العٌبيدية الفاطمية التي سيطرت لفترة على الشام قد ضعفت ، وبالتالي فإن هذه المناطق صار لها نوع من الاستقلال المحلي يحكمها أقوام محليون أيضاً على التشيُّع مثلما كانت الدولة العُبيدية الفاطمية وأشهرهم بنو مِرداس.
فالمناطق الضعيفة كما هو معروف في عالم السياسة وعالم الدول إمَّا أن تكون قوياً أو تكون ضعيفاً ، فإذا كنت ضعيفاً أقبلت إليك الأطماع ، ولذلك فإن هذه المناطق الضعيفة كانت محل تنافس وتسابق بين الدولة البيزنطية الرومية وبين الدولة السلجوقية التي هي ذراع الخلافة العباسية والسيطرة الحقيقية للمسلمين السُنة.
سنة أربعمائة واثنين وستين للهجرة أقبل الإمبراطور البيزنطي وكان اسمه رومانوس الرابع بجيش كثيف استطاع أن يدخل مدينة منبج وهي الآن في الشمال السوري ، وكانت تابعة لهؤلاء فدخلها واحتلها ونهبها وقتل أهلها، ثم شن عدداً من الغارات، ولكنه عاد مرة أخرى لأنه في ذلك الوقت كانت مناطق الأناضول تشتكي من نوع من الجذب والوباء .
لكن هذا الدخول السريع والإنجازات العسكرية التي استطاع تحقيقها دون أن يجد أي مقاومة من العُبيديين أعادت أطماعه مرة أخرى في أن يكرر هذه المحاولة في العام التالي أربعمائة وثلاثة وستين للهجرة ، فجمع جيشاً ضخماً بلغ تِعداده مائتي ألف مقاتل.
في نفس الوقت كان العباسيون ومن خلال ذراعهم " السلاجقة " يحاولون الاستيلاء على هذه المناطق، وبدأ نفوذ السلاجقة يصل إلى مناطق أرمينيا وأذربيجان وكان السلطان ألب أرسلان يحاول صد الغارات التي يشنها الأرمن واليونان في هذه المناطق على المسلمين، فكان خروج جيش ألب أرسلان يمثل تهديداً للإمبراطورية البيزنطية ، وكذلك يُغريه ضعف المناطق الموجودة في شمال الشام.
ما تلك المعركة التي أعادت بعد أربعة قرون ذكرى الفتوحات الأموية العظيمة؟
خرج السلطان ألب أرسلان بجيش قدره ما بين خمسة عشر ألفا وأربعين ألفاً كما تختلف الروايات ، بينما كان جيش السلطان الإمبراطور رومانوس الرابع مائتي ألف ، وهنا حدثت المفاجأة التي لم يكن يتوقعها ألب أرسلان أنه صار مضطراً بجيشه الصغير هذا مُقاتلة هذا الجيش الكبير
إذاً صار الوضع خطيراً وغير متوقع وكان رومانوس عنده طموح كبير في أن يعيد استرداد الأراضي التي كانت في حكم الدولة البيزنطية من المسلمين مرة أخرى ، فكرة الضعف التي كان فيها المسلمون في ذلك الوقت وانقسامهم بين خلافة سُنية في بغداد وخلافة إسماعيلية شيعية في القاهرة ومناطق متنازع عليها في شمال الشام ، هذا كله جعله طامحاً في أن يعيد مرة أخرى ما فقده أجداده من حوالي أربعة قرون.
خرج أرمانوس الرابع بجيش من مائتي ألف مقاتل وفيه كافة العناصر التي تمثل الدولة البيزنطية فيه الروس وفيه البلغار وفيه اليونانيين وفيه الأرمن حتى وصل بالقرب من ملاذ كرد حيث كان الجيش الذي يقوده ألب أرسلان .
كيف حاول السلطان ألب أرسلان تجنب هذا القتال بكل طاقته ومع ذلك نشبت الحرب ؟!
عندما وجد ألب أرسلان أن الأمر أكبر من قدرته على التصور فهو لم يكن يتخيل أن يحشد له الإمبراطور هذا الحشد ، فسعي في طلب الهدنة من الإمبراطور، ولكن لكي يسعى في طلب الهدنة لا بد من تحقيق انتصار سريع، فوضع خطته بحيث يحقق انتصاراً سريعاً على إحدى مقدمات الجيش البيزنطي، فيكون هذا النصر مدعاة للدخول من باب الهدنة وبالفعل استطاع تدبير نصر سريع خاطف على مقدمة الجيش البيزنطي ثم أرسل سُفراءه إلى الإمبراطور الروماني ، إلا أنَّ الإمبراطور الروماني فاجأهم بهذا الطموح الواسع الذي لم يكن في تخيلهم أيضاً.
ما موقف الإمبراطور الرومانى من ألب أرسلان بعد طلب الهدنة ؟!
قال الإمبراطور الرومانى : " إني قد جمعت هذه الجيوش وجندت هذه الأجناد وحشدت هذه الأعداد لكي أفعل ببلاد الإسلام ما فعله المسلمون من قبل ببلاد الروم ، فلذلك لا صلح ولا هدنة إلا في الرِّي .. وتقع الرِّي هذه في أرض فارس، وهي في عمق الدولة السلجوقية " ، إذاً هو رفض تماماً الهدنة، وكان لا يزال يرى أنه قادر على تحقيق النصر الكبير.
حينئذِ صار ألب أرسلان أمام المهمة الكبرى لا بد أن يواجه هذا الجيش ، فحاول أن يجمع ما حوله من البلاد لكن بطبيعة الحال ما كان حوله في الأنحاء لم يكونوا جيشاَ نظامياً مدرباً ، كانوا متطوعين يقاتلون ولم تسمح له الظروف أن يستدعي بقية الجيوش من الأراضي الإسلامية ! ، فلم يكن أمامه سوى الانسحاب !
ولكن الانسحاب كان يُعني أن هذا الجيش الكبير سيستطيع الاستيلاء على البلاد الإسلامية، وهذا يعطي دفعة معنوية كبيرة للروم ويعطي خسارة استراتيجية كبيرة لدولة السلاجقة وانهيار في المعنويات مع ما يتبعه من المذابح والسبايا وغير ذلك .. فكان القرار الذي اجتمع عليه السلطان هو القتال.
نصائح هامة وجهها أحد الصالحين في حاشية السلطان له لمساعدته في خطة القتال
كان في حاشية السلطان شيخاً يُدعي الشيخ أبو عبد الله نصر البخاري، ويقال أبو نصر عبد الله البخاري كذلك ، وهو ليس الإمام البخاري المشهور صاحب الحديث، وإنما كان رجل فقيه على مذهب الإمام أبي حنيفة.
أوصى الشيخ أبو النصر السلطان ألب أرسلان بالثبات ، وبأنه لا مجال إلا للمواجهة ، وأوصاه بأن يُلاقي جيش الروم عند ساعة الزوال من يوم الجمعة لكي تكون هذه هي الساعة التي يرتقي فيها الخطباء المنابر ويدعون فيها لجيوش المسلمين.
ما هي المغامرة الخطيرة التي سيقوم بها السلطان ألب أرسلان وهل سيحقق النصر ؟
الحقيقة هذا الوضع الصعب جعل ألب أرسلان ينزل عن مرتبة السلطنة فخلع نفسه من السلطان وهو يقول : "إنما أنا اليوم كأحدكم فهنا لا سلطاناً يأمر ولا عسكر يُؤمر ومن أراد منكم أن يُقاتل معي يُقاتل ومن لم يرُد يتركنا ويمضي، وأنا مقبل على أمر فيه خير، فإن سلمت ونٌصرت وإما حسن الشهادة "ولبس الثياب البيض .
والثياب البيض إشارة للكفن وأنه مقبل على الموت وتحنط حنوط الموت وسجد على الأرض وعفَّر وجهه في التراب فانخلع من كل مظاهر السلطان وأراد أن يبث في الجنود هذا القرب الخالص لله تبارك وتعالى، ثم رتب خطته على مغامرة شديدة الخطر، لكنها فيما يبدو الحل الوحيد لكي لا يطوّق الجيش الإسلامي، وهو أن يسلك بجيشه كله ضربة واحدة وكتلة واحدة وينفذ بها إلى خيمة إمبراطور الروم !.
المعركة التي لقبها المؤرخون باليرموك الثانية ..
بالفعل دبر هذه المغامرة الخطيرة واستطاع النفاذ بسرعة وقوة صاعقة إلى إمبراطور الروم حتى وصل إليه واستطاع أسره فأخذ التاج رفعه على رأس رمح فشاع في الجيش البيزنطي أن الإمبراطور قد قُتل فانهار وتشتت الجيش البيزنطي .
فكانت تلك المعركة من أروع وأعظم انتصارات المسلمين حتى أنها لُقبت بــــ " اليرموك الثانية " لأن الإسلام تجذر وجوده في هذه المناطق، ولم يستطع الروم البيزنطيون استعادتها مرة أخرى .
بعدما أُسر الإمبراطور البيزنطى عرض عليه أرسلان و قال ما تظن أني فاعل بك ؟ فقال إما أن تقتلني وإما أن تُشهر بي وإما الفداء وهذه مُستبعدة ، لكن ألب أرسلان أراد أن يستثمر هذا المكسب الحربي بمكسب سياسي فقال بل الفداء ، و فرض عليه فدية كبرى حوالي مليون ونصف المليون، بالإضافة إلى هُدنة خمسين سنة، بالإضافة إلى إطلاق كل أسرى المسلمين الموجودين عند البيزنطيين ، وأكرم وِفادته وأسرِه وأعاده إلى بلاده.
وعندما عاد رومانوس الرابع إلى بلاده وجد أهل الحكم قد تآمروا على خلعه وإزالته من سجلات بلادهم، لكنه استطاع جمع هذه الفدية الضخمة من كافة بلاد الإمبراطورية الرومانية وأطلق أسارى المسلمين. وبهذه المعركة انتهى الوجود البيزنطي في تلك المناطق و ترسخ الوجود الإسلامي.
معارك عظيمة حاول المسلمون تجنبها بكل قوتهم ولكنهم حققوا فيها انتصارات ومكاسب عظيمة
معركة ملاذ كرد تشبه معركة بدر من ناحية وهي أن بدر معركة حاول المسلمون أن يتجنبوها رغم أنها كانت فتحاً عظيماً لهم، وأسست تأسيساً عظيماً للمسلمين، وكذلك تشبه معركة اليرموك في أنها كانت معركة فاصلة حسمت وجود المسلمين في هذه الأرض والمناطق الشرقية من الأناضول، وأدت إلى تمدد الدولة السلجوقية حتى استولوا فيما بعد على قونية و كوتاهيا.
وهذه الدولة السلجوقية هي التي ولدت فيما بعد الدولة العثمانية التي فتحت القسطنطينية وتمددت في شرق أوروبا ، فكم من نصر لم يكن أصحابه يعرفون أنه نصر، وهذا من فضل الله تبارك وتعالى علينا وعلى الناس.
والدرس الآخر الذي نستفيده من معركة ملاذ كرد هو أن الشعوب الإسلامية نهر عظيم والفتوحات الإسلامية لم تقتصر فقط على العرب، ولكن جاهد في سبيل الإسلام العرب والفرس والترك والأمازيغ والمغول وغيرهم وغيرهم.
فهذه أمة واحدة لا تعترف بـ تفرقة عنصرية بين قوم وقوم وجنس وجنس ولغة ولغة ، حيث قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز : " وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون "