مقالة عن معركة ذات الصواري والقرار الذي تخوف منه سيدنا عمر واتخذه سيدنا عثمان, مقالة التاريخ الاسلامي










معركة ذات الصواري والقرار الذي تخوف منه سيدنا عمر واتخذه سيدنا عثمان


اسلاميات    التاريخ الاسلامي
1/12/2023

عندما انتصر المسلمون على الروم انتزعوا منهم سواحل الشام وسواحل مصر، وكان في هذا الفتح (فتح الشام وفتح مصر ) سيطرة عمرو بن العاص على موانئ غزة وعكا وعسقلان، ثم فيما بعد سيطر يزيد بن أبي سفيان  الذي كان والي عمر بن الخطاب على الشام  على موانئ صيدا وصور وجُبيل وبيروت. 

وفيما بعد أرسل يزيد بن أبي سفيان عبادة بن الصامت، فسيطر على موانئ قيسارية وجباية، ثم بعد ذلك فتح عمرو بن العاص مصر، فسيطر على موانئ مصر منها الإسكندرية وبرقة في ليبيا فيما بعد. ثم سيطر المسلمون في الشام في ولاية معاوية بن أبي سفيان الذي تولى بعد أخيه يزيد بن أبي سفيان على طرابلس وقيسارية. 

إذاَ فقد فَقَدَت الروم سواحلها وموانئها التي كانت في الشام وفي مصر، وصارت الآن في يد المسلمين.

ماهو القرار الخطير الذي رفض أن يتخذه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؟!

 في ذلك الوقت أراد معاوية بن أبي سفيان أن يؤمن مكتسبات هذا الجهاد البري بإنشاء أسطول بحري ويغزو المسلمين في البحر، ذلك لأن الأسطول البيزنطي الذي كان يسيطر على البحر المتوسط كانت له مراكز تعتبر كقواعد حربية في الجزر الموجودة في البحر المتوسط، فأرسل إلى سيدنا عمر يستأذن منه في أن يبدأ في إنشاء أسطول وبأن يغزو المسلمين في البحر. 

لماذا كان سيدنا عمر متخوفاَ من هذا القرار ؟

لكن سيدنا عمر كان متخوفاً من هذه المغامرة وكان يخشى على المسلمين من خطورة البحر، خاصة وأنه أرسل إلى سيدنا عمرو بن العاص يسأله عن راكب البحر، فوصف له سيدنا عمرو البحر وصفاَ بليغاَ حيث قال له :

" ليس إلا السماء والماء وإنما راكبه كدودة على عود إن سكن زاغ القلوب، وإن تحرك أزاغ العقول، وما رأيت مثله خلقاَ صغيراَ يركب خلقاَ كبيراَ " ، فزاد هذا الوصف في مخاوف سيدنا عمر بن الخطاب، فأرسل إلى معاوية بن أبي سفيان ينهى عن أن يفتح معه هذا الموضوع مرة أخرى !

وقال : "والذي بعث محمداَ بالحق لا أحمل عليه مسلماَ أبداَ ، المسلم عندي أحب إلي مما حوت الروم" .

عندما مات عمر رضي الله عنه تجرأ البيزنطيون وهاجموا طرابلس وأعادوا احتلالها ، فنفذ سيدنا معاوية بن أبي سفيان من خلال سرية حصاراَ برياَ وبحرياَ من خلال الجزر التي أمام طرابلس حصاراَ على القوات المُهاجمة التي احتلت طرابلس،  وعندما استطاعوا إغلاق الحصار عليهم لم يجدوا بُداَ إلا أن يرسلوا إلى إمبراطور الروم أن يرسل إليهم سفناَ تُنظم انسحابهم .

 لكن بدا في هذا الوقت صحة رأي سيدنا معاوية في  ضرورة أن تكون للمسلمين قوة بحرية، فأرسل معاوية مرة أخرى إلى سيدنا عثمان بن عفان الخليفة الثالث يستأذنه في إنشاء أسطول بحري وفي أن يغزو بالمسلمين البحر.

القرار الذي تخوف منه سيدنا عمر واتخذه سيدنا عثمان بعده !

لماذا فعله سيدنا عثمان ؟ 

زاوج  سيدنا عثمان بين الضرورة التي يتكلم فيها سيدنا معاوية وبين الخطورة التي مثلت موقف سيدنا عمر فقال له : " اغزو ولكن أغزو أنت وزوجك ، بمعنى أنه طلب منه أن يكون هو وزوجته في بداية من يركبون البحر بحيث أنه لو كانت هناك خطورة يتحملها معاوية ويكون فيها أول المتحملين ، ثم قال له : لا تحمل الناس عليه، وإنما اندب من أراد أن يركب البحر ليركب . 

فاختار بعض الصحابة الغزو منهم سيدنا أبو ذر ومنهم سيدنا أبو الدرداء وكان في السبعين من عمره في ذلك الوقت ومنهم أيضاَ سيدنا عُبادة بن الصامت وزوجته أم حرام بنت ملحان . 

وهذا من دلائل النبوة  لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ذات مرة في رؤيا أن قوماً من أمته يركبون البحر كالملوك على الأسِرة ، فقالت أم حرام يا رسول الله ادع لي الله أن أكون منهم، فقال أنتِ منهم فركبوا البحر ، وهنا بدأ معاوية بن أبي سفيان ينظم مسألة الجهاد البحري. 

مسألة الجهاد البحري كان لها جانبان .. 

الجانب الأول هو جانب السيطرة على الجزر الموجودة في البحر المتوسط .

والجانب الثاني هو إنشاء أسطول بحري .

وتم تحديد مكانين للأسطول البحري في الإسكندرية، وفي عكا و بدأت تصنع فيهم السفن الإسلامية، ثم بدأ سيدنا معاوية بن أبي سفيان في السيطرة حيث سيطر أولاً على أرواد وهي جزيرة قبالة سوريا جزيرة صغيرة، ثم غزا قبرص سنة ثمانية وعشرين هجرية .

لماذا بدأت الدولة الإسلامية الجهاد البحري؟

عندما غزا قبرص اتفق معهم على صلح وكان من بنوده أنَّ يدفعون سبعة آلاف دينار سنويا وأنهم لا يعينون الروم إذا أرادوا أن يهاجموا المسلمين وأن يكونوا  مركز إعلامي أو مركز إشارة أو مركز استخباري لإخبار المسلمين إذا هجم عليهم الروم وكان هذا في سنة ثمانية وعشرين هجرية . 

لكنهم لم يفوا بهذا العهد ، وإنما ساعدوا الروم فيما بعد بالمراكب ، فقرر سيدنا معاوية بن أبي سفيان إعادة غزو قبرص ، فغزاها وفتحها في سنة ثلاثة وثلاثين هجرية، وأسكن فيها قوم من العرب بحيث يكونوا حماية دائمة لله وللمسلمين هناك ولكي يحافظوا على ألا ينتقض أهل قبرص فيما بعد ، وهذا هو بداية الجهاد البحري في الإسلام. 

عندما أنشأ المسلمون الأسطول البحري وبدأوا ينفذون الغارات على الجزر ، هنا تغيرت الخريطة العسكرية والسياسية في شرق البحر المتوسط  الذي كان بُحيرة بيزنطية ، وهنا اضطر ملك الروم وكان في ذلك الوقت قسطنطين بن هرقل إلى نقل مركز القيادة البحرية من قبرص  ومن الجزر القريبة من المسلمين إلى جزيرة صقلية الإيطالية ، لكي يحافظ على ما تبقي من أملاكه في الجنوب الإيطالي أو الجنوب الأوروبي بشكل عام. 

وتغيُر هذا المركز البحري بدأ يساعد المسلمين و يضيف لهم قوة جديدة في خطتهم لفتح القسطنطينية ، لأن فتح القسطنطينية كان حلماَ إسلامياَ منذ أن بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بفتح القسطنطينية .

إذاً صارت لدينا قواعد لبناء الأسطول في الشام ، وفي مصر صارت لدينا قوات بحرية .

متى كانت بداية الجهاد البحري الإسلامي وماهي أول معركة بحرية في الإسلام ؟

 خرج في عام أربعة وثلاثين هجرية أسطول من رشيد - مدينة رشيد المصرية - على رأسه عبدالله بن سعد ابن أبي السرح، وكان هو والي مصر وذلك في عهد سيدنا عثمان  ، وخرج من عكا أسطول بقيادة بُسر بن أبي أرطأة، هذان أسطولان تقابلا عند مدينة تسمى فونِكا  وهي مدينة تقع في جنوب تركيا حاليا قريبة من مدينة أنطاليا، وهناك تصدى لهم الأسطول البيزنطي العريق ذو الخبرة الكبرى في المعارك البحرية، ووقعت أول معركة بحرية في الإسلام وهي معركة ذات الصواري

كيف واجه الأسطول الإسلامي الأسطول البيزنطي في معركة ذات الصواري وماذا كانت النتيجة ؟

معركة ذات الصواري كانت معركة في غاية الخطورة لأن الأسطول الإسلامي الوليد يواجه الأسطول البيزنطي العريق ، وكان عدد سفن المسلمين مائتي سفينة  وكان عدد سفن الأسطول البيزنطي ما بين سبعمائة أو ثمانمائة أو ألف سفينة على خلاف التقديرات بين الروايات التاريخية. 

ما هي الفكرة المبتكرة التي ساعدت المسلمين على الانتصار في معركة ذات الصواري ؟

فكانت نازلة نزلت بالمسلمين ومفاجأة لم يكونوا يحسبون حسابها أن تكون بهذه القوة !! ففكر المسلمون  ماذا يصنعون ؟ وهنا تظهر مسألة وضرورة الابتكار  حيث توصل المسلمون إلى فكرة مبتكرة في المعارك البحرية .. وهذه الفكرة هي ربط السفن بعضها ببعض في الأرض !

حيث قاموا أولاً بربط السفن بعضها ببعض لكي تمثل مسرحاً برياً يمكن أن يقاتلوا عليه، وهم أكثر اعتياد من قتال البر منهم لقتال البحر ، كما أنها منعت سفن الروم من اختراق الصفوف الإسلامية حيث صارت السفن الإسلامية كتلة واحدة. 

والأمر الآخر أنهم قاموا بربط ما استطاعوا من السفن الإسلامية بالسفن البيزنطية أيضاً لكي يجبروا القوات البيزنطية على أن يتحول قتالها  و معاركها من أسلوب حرب البحر إلى أسلوب البر.

 فحين وقع هذا صارت المعركة أشبه ما تكون بالبرية، ومن يرى موقع مدينة فونيكا  فهي بالأساس كأنها خليج بين جزر ، و اشتباك السفن في هذه المضايق يجعل المعركة أشبه بالمعركة البرية الكاملة.


عندئذ استطاع المسلمون أن ينتصروا على البيزنطيين، بل وحدث إنجاز  يتكرر لأول مرة في تاريخ الفتوح، وهو أن إمبراطور البيزنطيين قسطنطين بن هرقل أُصيب في هذه المعركة، وبعضهم يقول أُسر لكن الصحيح أنه أصيب فقط ، وكانت هذه أول مرة يستطيع المسلمون أن يصيبوا فيها الإمبراطور البيزنطي  .

وبهذا انتهت معركة ذات الصواري بنصر كبير للمسلمين وتحطم الأسطول الرئيسي للقوات البيزنطية ، وكانت مفاجأة حربية أن يستطيع الأسطول الوليد أن يهزم الأسطول العريق المتدرب وصاحب الخبرات القتالية الواسعة. 

عندئذ صار كل الجزء الشرقي من البحر المتوسط بُحيرة خاضعة للقوات الإسلامية، لأن المسلمين كانوا يسيطرون على الجنوب  وهو الشمال الإفريقي إلى برقة في ذلك الوقت، ثم يسيطرون على الشام ويسيطرون أيضاً على الجزء الشرقي من المدن الجنوبية المطلة على سواحل البحر المتوسط. 

وبذلك رأينا كيف أن معركة ذات الصواري حُلت بالشجاعة والابتكار وساهمت في أن توجِد موقعاً جديداً للمسلمين وسلاحهم البحري.

اقرأ ايضا:

 معركة ملاذ كرد .. المعركة التي لقبها المؤرخون باليرموك الثانية











X

   2024 skuilder.com™.