توح أرمينيا وأذربيجان من الفتوح غير المشهورة والتي لا يعرف الناس تفاصيلها كثيراً وخصوصاً الآن باعتبار أن هذه المناطق والبلدان صارت مناطق أعجمية يعنى ليست مناطق عربية ، فحتى أسماء المدن وحركاتها غير واردة كثيرا في أذهان المشاهدين .
فهل تعرفون إلى أين اتجهت الفتوحات الإسلامية بعد انتهاء الإمبراطورية الفارسية؟ !
بدايةً يجب أن نعرف أنّ أرمينيا وأذربيجان من المناطق التي تقع بين الإمبراطوريتين فارس والروم ، فهي كانت من المناطق الحرجة التي تقوم فيها الحروب وتحصل عندها الاحتكاكات و تتأثر بالأوضاع السياسية المحيطة بها.
والأمر الثاني أنها كانت على المسيحية فعلاً، لكنها على مذهب مخالف لمذهب الإمبراطورية البيزنطية ، فهي مثلاً أشبه أن تكون بمصر حيث أن مصر أيضاً كانت في عهد الإمبراطورية الرومانية الرومانية على مذهب مخالف وكان يحدث فيها اضطهادات ، لكنها الآن فوق هذا الخلاف كانت على الوضع الحرج بين فارس والروم.
الفتوح الإسلامية " فتوح العراق فتح الشام "
بعدما انتهت الفتوح في العراق وفارس وانتهت الدولة الفارسية سلكت الجيوش الإسلامية أكثر من مسار لتطهير الجيوب والمناطق الفارسية من الفلول الفارسية، فبعضهم سلك إلى الجنوب يعني مناطق الأهواز التي هي الآن على الساحل الشرقي من الخليج العربي ثم إلى الشرق، بعضها يسلك إلى الشمال يعني عند جنوب بحر قزوين في شمال وسط إيران الآن، وبعضهم سلك إلى العمق إلى الشرق ، وهناك من الجيوش من بدأ يسلك إلى فتح أرمينية وأذربيجان .
والفتوح الإسلامية في أرمينيا وأذربيجان نستطيع أن نقول إنها ثلاث مراحل
كيف كان فتح هذه المناطق على ثلاث موجات متتابعة؟
المرحلة الأولى
كانت في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويمكن أن نسميها الحملات التمهيدية حيث خرج لها ثلاثة جيوش .. الجيش الأول خرج من جنوب بحر قزوين وهذا كان بقيادة بكير بن عبد الله الليثي ، وانضم إليه سيدنا أبو دُجانة" سماك بن خرشة " ، وكان أبو دُجانة مشهور بأنه يربط عصابة حمراء في غزوة النبي صلى الله عليه وسلم والذي قال له هذه مِشية لا يحبها الله ورسوله إلا في هذا الموضع.
الجيش الثاني انطلق من الموصل في شمال العراق ، وكان يقوده عُتبة ابن فرقد السًلمي، ولكن هذا الجيش سلك مساراً آخر وفتح عدداً من المدن من أهمها مدينة الباب.
أما الجيش الثالث فقد خرج من الجزيرة الفراتية ، والجزيرة الفراتية هي المنطقة التي تقع بين نهري دجلة والفرات ثم من الجزيرة الفراتية خرج جيش بقيادة سيدنا عياض بن غُنم الفهري، وعياض بن غنم كان أحد قادة جيوش فتح فارس الأولى مع سيدنا خالد بن الوليد، وهذا سلك حتى وصل في فتوحه إلى مدينة أخلاط أو خلاط، وهي الآن على الساحل الشمالي لبحيرة وان في تركيا.
وكانت هذه الجيوش الثلاثة مع المسارات الثلاثة مع الفتوح تمثل الحملات التمهيدية .
المرحلة الثانية
ثم نأتي للمرحلة الثانية هذه تمت في عهد سيدنا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وتمثلت في جيشين :
الجيش الأول أخرجه سيدنا معاوية بن أبي سفيان وكان واليا على الشام ، و قاد هذا الجيش حبيب بن مَسلمة ، وخرج هذا الجيش بتوجيه من معاوية و الذي كان أغلب جنوده من مجاهدي الشام ومجاهدي الجزيرة الفراتية ، وصار أيضاً يتقدم في طريقه ويفتح المدن .
ثم أرسل سيدنا عثمان بن عفان جيشاً آخر بقيادة سلمان بن ربيعة الباهلي وانطلق من الكوفة ، وكان موجوداً على أساس أن يكون مددا لـ جيش مسلمة بن حبيب، فلما انتصر حبيب بن مسلمة على الروم ( انتصر على جيش الإمبراطورية البيزنطية) قبل أن يأتي هذا المدد توجه الأمر إلى جيش سلمان بن ربيعة الباهلي أن يسلك سبيلاً آخر، فصار لدينا في مناطق أرمينيا وأذربيجان جيشان يتحركان بشكل منفرد.
الجيوش كانت تفتح وكانت عامة المدن تستسلم لها بعد انهيار الإمبراطورية الرومانية، وكانوا عامةً يتكلمون في الصلح ويدفعون الجزية وحفظ لنا التاريخ وثيقة عند أهم مدينة من مدن الأرمن وهي مدينة الدُبيل ، وهذه وقعها سيدنا حبيب بن مسلمة ونصه كالآتي :
بسم الله الرحمن الرحيم
"هذا كتابٌ من حبيب بن مسلمة لـ نصاري أهل دُبيل و مجوسـها ويهودها ، شاهدها وغائبها .. أني أمنتكم على أنفسكم وأموالكم و كنائسكم وبِيَعكم وصور مدينتكم فأنتم آمنون ، وعليكم الوفاء .. لكم بالعهد ما وفيتـم و أديتم الجزية والخَراج شهد الله وكفى بالله شهيداً ".
وإلى هنا تنتهي المرحلة الثانية عند سيدنا حبيب بن مسلمة .
علي الجهة الأخري نجد أن جيش سلمان بن ربيعة الباهلي وصل إلى قلعة مهمة في أرض الأرمن ، ثم فوجئ بهجوم مفاجئ من القائد الأرمني المشهور تيودور الأشتر وني ، واستطاع تيودور أن يفاجئ المسلمين وأن ينتصر عليهم ، واستُشهد سيدنا سلمان بن ربيعة الباهلي ، ولكن المشهد هنا لم ينتهي بعد حيث بقيت مفاجأة أخرى ـ
فبعدما كانت المدن تستسلم وتُفتح وتُصالِح على الجِزية صار هناك مشهد اً آخر بعد انتصار تيودور على جيش سلمان بن ربيعة الباهلي واستشهاده رحمه الله ، بعد هذا الوقت قدِم جيش ضخم من الإمبراطورية البيزنطية يقوده الإمبراطور البيزنطي بنفسه قسطنطين بن ميخائيل واستطاع أن يستولي على المدن التي صالحت المسلمين.
قصة المنطقة التي استعصت على المسلمين حتى إذا رأت غيرهم عادت إليهم
فالمفاجأة التي حدثت أن الإمبراطور البيزنطي أراد أن يفرض على الأرمن مرة أخرى المذهب المسيحي الذي تعتنقه الإمبراطورية البيزنطية والذي لا تدين به الأرمن ، فحدث نوع من الاعتراضات داخل الأرمن وبينهم أنفسهم وعلى رأسهم قائدهم تيودور.
فقرر الإمبراطور البيزنطي عزل تيودور وتنصيب قائد للجيش الذي يخرجه الأرمن ، لأن الإمبراطورية البيزنطية كانت تخرج جيوشها من الشعوب ، فلكل شعب ما يشبه أن يكون جيشاً محلياً فعين عليه قائداً بيزنطياً.
وهنا جرت المقارنة بين البيزنطيين الذين يريدون أن يجبرونهم على مذهب ديني لا يريدونه وبين المسلمين الذين كانوا يتركون لهم الحرية الدينية ،ثم انقلب الأمر على تيودور نفسه الذي عُزل من مكانه كقائد للجيش الأرمني، ووضع بدلاً منه قائد بيزنطي.
كيف تعاون هؤلاء مع المسلمين لدفع أعدائهم؟
فعندما تحرك جيش الرومي يريد أن يهاجم الشام .. بدأ تيودور يتواصل مع المسلمين ويعتذر عما حدث منه وطلب التحالف معهم ضد البيزنطيين.
و بالفعل أغاثه المسلمون حيث كان سيدنا معاوية هو والي الشام في ذلك الوقت ، أغاثوه بفرق عسكرية قدمت له المساعدات ، وعندما قدم الجيش البيزنطي الذي يريد أن يقتحم الشام كانوا قد عبروا نهر الفرات على جسر من المراكب ، يعني أنهم لم ينشئوا جسراً وإنما صفوا المراكب و عبروا عليها.
وكان بن القائد تيودور أحد قواد البحرية الأرمنية وكان يعمل كذراع للمسلمين فإذا به بمجرد ما انتصر الجيش الإسلامي على الجيش البيزنطي قام بفك المراكب التي تمثل الجسر الذي عبروا عليه ، فصار الجيش البيزنطي محصوراً بين المسلمين وبين النهر ولا يستطيع الانسحاب ، فأوقع بهم المسلمون هزيمة قاسية جعلتهم لا يفكرون مرة أخرى في الهجوم على الشام.
و لكن بعد ذلك كيف صار الوضع في بلاد الأرمن؟
صالح سيدنا معاوية بن أبي سفيان قائد الأرمن تيودور ونصبّه حاكماً على بلاد الأرمن ، وجرت بينهما معاهدة هي نفس المعاهدة الإسلامية التي تنُص على :
"دفع الجزية والخراج ، وتعهد المسلمين بحماية الأرمن إذا داهمهم العدو ، كما تعهد تيودور بأن يقدم المساعدات العسكرية إذا داهم المسلمين عدو ، وأن يكون في بلادهم حامية إسلامية من خمسة عشر ألف جندي تكون نفقاتهم مخصومة من الضريبة والجزية" .
وهنا أقبل الأرمن بعدما وجدوا هذه المقارنة بين سياسة الإمبراطورية البيزنطية وبين سياسة المسلمين.
وبهذا يُعتبر مشهد الفتوح وسيادة المسلمين على هذه المنطقة اكتمل حتى تأتي فيما بعد عصور الدولة الأموية والعباسية.