فتوح السِند تتشابه مع فتوح المغرب في عدد من الوجوه ، و أحد أوجه الشبه هذه هى أنَّ المسلمين استمروا سبعين عاماً وهم يحاولون فتح السند ، تماماً كما استمروا سبعين عاماً حتى تم لهم فتح المغرب.
وبداية فتوح السند كانت في العصور الإسلامية المبكرة بدايةً من عصر سيدنا عمر - رضي الله عنه - ثم عثمان ثم علي ثم معاوية وبقية خلفاء الدولة الدولة الأموية .
وكانت الفتوح في البداية تسلك سبيل البحر ولا تسلك سبيل البر ، وكان سيدنا عمر لا يحبذ سلوك البحر.
وعلى كل الأحوال لم تنجح المحاولات الأولى لفتح السند حتى كان فتحها من نصيب محمد بن القاسم الثقفي في ولاية الحجاج ابن يوسف الثقفي.
الحسنات التي يذكرها التاريخ للحجاج بن يوسف الثقفي ..
والحقيقة أنَّ الحجاج شخصية مشهورة جداً في التاريخ الإسلامي بما هو معروف من أخباره في القتل والدماء وهكذا ، إلا أنه من حسنات الحجاج أنه كان المشرف على الفتوح في منطقة الشرق الإسلامي، وكان تحت قيادته جيشين كبيرين .. الجيش الذي فتح السند وفيه محمد بن القاسم والجيش الذي فتح بلاد ما وراء النهر بقيادة قتيبة بن مسلم الباهلي.
أولاً دعونا نعرف من هو الفاتح الصغير الكبير الذي قاد جيش الفتح وهو في السابعة عشرة من عمره !
محمد بن القاسم هو ثقفيّ وأبوه القاسم بن محمد كان الوالي على البصرة في ولاية الحجاج بن يوسف على العراق ، لأن الحجاج كان الوالي العام على الشرق الإسلامي، وكان مقره في العراق، فكان الوالي على البصرة هو القاسم بن محمد والد محمد بن القاسم .
وبالتالي فقد نشأ محمد بن القاسم في جو أمراء ، وتعلم الفروسية مبكراَ وتعلم السياسة كذلك، و قد ظهرت عليه ملامح النبوغ والذكاء والشجاعة، فكان من المفاجآت أن الحجاج عهد إليه بتولي الجيش السائر إلى فتح السند، ولم يكن لديه في وقتها إلا سبعة عشر عاما فقط !
هو يذكرنا في هذا بسيدنا أسامة بن زيد رضي الله عنه الذي قاد بعثة أسامة المشهورة باسمه، حيث كان لديه سبعة عشرة عاماً أيضاً وقتها ، وكان فيه كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار، ولذلك قِيل في مُحمد بن القاسم إن السماحة والمروءة والندى لمُحمد بن القاسم الذي ساس الجيوش لسبعة عشر حُجة يعني سبع عشرة سنة ما أقرب ذلك سُؤدُدّ من مولدي يعني ما أقرب الفترة بين السؤدد أى المجد والشرف وبين المولد !! يعني قليلون جداً هم من يستطيعون أن يسودوا أقوامهم في هذا السن المبكر.
ما أسباب فتح السِند ؟
البداية كانت حين أسر بعض القراصنة نساء مسلمات في مدينة الديبُل، وهي الآن تقريبا قريبة من من كراتشي في باكستان وحين نقول بلاد السند فإنما نعني الآن باكستان يعني ذلك أنَّ أغلب بلاد السند هي الآن باكستان الحالية .
كيف كانت الأسيرات المسلمات سبباً في فتح السِند ؟
بعض النساء المسلمات أسرهن قراصنة عند مدينة الديبُل، وكانت هذه المدينة بيعة لـ ملك من ملوك السند الأقوى واسمه داهر، فوصل الخبر إلى الحجاج بن يوسف الثقفي، فأرسل الحجاج إلى داهر لتحرير هؤلاء الأسرى فتعذر وتعلل بأن هؤلاء قراصنة وأنه لا يملك السيطرة عليهم ، أى أنه رفض أن يساعده في هذا الأمر .
ما هو الفتح الذي أُنفق عليه ستون مليون درهم؟
جهز الحجاج جيشين أو ثلاثة على خلاف بين المصادر، لكن هذين الجيشين أو الثلاثة فشلوا وقُتل قادتهم، فعزم الحجاج على إنفاذ جيش كبير كان قوامه عشرين ألفا بقيادة محمد بن القاسم الثقفي، وأنفق عليه ستين مليون درهم، وهو رقم ضخم في ذلك الوقت .
وعند هذه اللحظة بدأت الفتوح الحقيقية لبلاد السند ..
انطلق محمد بن القاسم بجيشه المكون من عشرين ألفاً كما ذكرنا بدأ من مدينة مكران والتى تقع الآن في الجنوب من إيران ، قصد مباشرةً منها إلى مدينة الديبًل التي بها أسرى المسلمين والتي كانت بالأصل من أسباب الفتوح، وكانت تابعة للملك داهر الذي كان يدعم الجيوش التي قاتلت الجيوش الإسلامية التي حاولت استنقاذ الأسرى .
ما هي الخُطة التى اتبعها مُحمد بن القاسم لـ فتح بلاد السند ؟
قام مُحمد بن القاسم بعمل حصاراً برياً وبحرياً حيث حمل أحماله الحربية على السفن فـ سارت بمحاذاته في البحر لأن مدينة الديبُل مدينة ساحلية كما ذكرنا وقد ذهب إلى حصارها البري.
استعصت عليه المدينة في بداية الأمر وظل يقاتل شهوراً ، لكنه اكتشف في خلال تلك الشهور أن أهل المدينة يعظمون المعبد البوذي المبني على تلة كبيرة وفوقه قبة ضخمة وفوقها راية عالية، فخطر له أنه إن استطاع أن يُوقع هذه القبة فإنه سيساهم بذلك في انهيار معنويات أهل المدينة وبالتالي يسهل فتحها .
فحدث أمران في وقت واحد ..
الأمر الأول أنه كان لديهما منجنيق ضخم يُسمى العروس وقد رُويت عنه تفاصيل في كتب التاريخ الإسلامي ومنها أنه كان يحركه خمس مائة شخص ، و كان هذا المنجنيق أقوى آلة حربية لدى المسلمين، فذهب محمد بن القاسم إلى قائد هذا المنجنيق وطلب منه أن يُركز قصفه على هذه القبة وهذه الراية لكي تسقط.
والأمر الثاني .. أن بعضاً من أهل مدينة الديبُل انحاز إلى جيش محمد ابن القاسم، ودله على الأماكن التي تدخل منها المياه إلى المدينة .
فركز بالفعل محمد بن القاسم قصفه على ذلك المعبد وهذه القبة فسقطت بالفعل ، وهو ما أدى إلى انهيار الروح المعنوية، كما توقع عند أهالي دايبُل ، ثم وصل إلى المكان الذي تدخل منه المياه إلى داخل المدينة، فقطع عنه المياه .
وبذلك تم الحصار البري حصاراً كاملاً ، فلم يلبث أن استسلموا ودخل المدينة فأنقذ منها الأسرى وسجن من وجدوه فيها من القراصنة وهدم ما كان فيها من المعابد ، وبدأ في حركة إنشاء المساجد وأسكنها أربعة آلاف من جنوده ومن المسلمين، وبدأ منذ ذلك الوقت تتحول مدينة ديبُل إلى مدينة إسلامية.
استمر محمد بن القاسم في فتوحاته حيث فتح فيما بعد مدينة الـبيرون ، وهي المدينة التي ينتسب إليها أبو الريحان البيروني العالم الإسلامي المشهور ، ثم فيما بعد وصل إلى مدينة تُسمى سبهان وفي هذه المدينة يسكن قوم يُسمون في التاريخ الإسلامي الزُط ، ويُقال إنهم أصل الغجر الآن .
لكن هؤلاء ( قوم الزٌط) بمجرد ما انفتحت بلادهم انضم منهم أربعة آلاف إلى المسلمين ، وصاروا يقاتلون في جيش محمد ابن القاسم، مما يحملنا على الظن بأنهم كانوا من المضطهدين المظلومين، وكانوا يريدون أن يتخلصوا من حكم الملك داهر.
وبعد فتح هذه البلد وقعت المعركة الكبرى بين الجيش الذي يقوده محمد بن القاسم وبين جيش الملك السِندي داهر وفي هذه المعركة الكبرى جرى قتال عنيف أسفر في النهاية عن نصر عزيز مؤثر لمحمد ابن القاسم وقٌتل فيه داهر .
فيما بعد فتح محمد ابن القاسم مدينة عٌرفت بـ ثغر بيت الذهب وهي مدينة المٌلتان ، هذه المدينة كان فيها صنم كبير يعبده البوذيون يتقربون به ويحجون إليه، وكان فيها عدد كبير من المعابد ومن المتعارف عليه أنَّ معابد البوذيين دائما ما تمتلئ بالحُلي والجواهر والأحجار النفيسة، فكان فتح هذه المدينة طفرة اقتصادية كبرى للمسلمين ، حتى أن محمد بن القاسم لما عاد بالغنائم عاد بمائة وعشرين مليون درهم !!
يعنى ذلك أنه عاد بالكثير من المكاسب حيث تكلفت حملته ستة ملايين درهم، لكنه عاد بمائة وعشرين مليون درهم، حتى إن الحجاج لما رأى ذلك قال : أدركنا ثأرنا وشفينا غرضنا وزدنا ستين ألف ألف وزيادة على ذلك رأس داهر وفتح السِند .
استمرت فتوح محمد بن القاسم حوالي خمس سنوات بدأت من سنة تسعة وثمانين هجرية وانتهت سنة أربعة وتسعين هجرية، فتم بهذا فتح بلاد السند في نفس الوقت تقريباً الذي تم فيه فتح بلاد الأندلس، ولكم أن تتخيلوا الدولة الأموية العظيمة تجاهد شرقاً وغرباً، وكذلك في القوقاز بقيادة مسلمة بن عبد الملك وفي الشمال الشرقي في بلاد ما وراء النهر بقيادة قُتيبة بن مسلم الباهلي.
وعندما مات الحجاج سنة تسعة وخمسين للهجرة استمرت فتوحات محمد بن القاسم حتى دخل أقاليم أخرى و واجه ملكاً آخر كان الملك الثاني في بلاد السند بعد داهر ا واسمه جوهر، وأيضا استطاع أن ينتصر عليه وأن يدخل بلاده .
ما هي النهاية المأساوية التى واجهها البطل مُحمد بن القاسم ؟
فيما بعد حصلت نهاية مأساوية لمحمد ابن القاسم، وإن كانت هذه النهاية ليس له ذنب فيها ، إلا أن القريب من شأن السياسة تجري عليه انقلابات قد لا يشارك فيها بشكل مباشر.
ما حدث أن الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي كان يريد أن يعزل أخاه من ولاية العهد و يُولي ابنه، وكان يُساعده على هذه الولاية الحجاج بن يوسف، فلما تولى سليمان بن عبد الملك ولم يفلح ترتيب الوليد كان الحجاج قد مات
فأرسل سليمان إلى العراق أعدى أعداء الحجاج واسمه صالح بن عبد الرحمن ، فوصل صالح بن عبد الرحمن وعزل رجال الحجاج جميعاً ومن ضمنهم بطلنا محمد ابن القاسم فأخذه وسجنه و أسقط عليه التعذيب حتى مات تحت التعذيب.
لكن على كل حال ما إن وصل محمد بن القاسم إلى هذا الحد حتى انتقدت مرة أخرى بلاد السِند ، ولم يعتدل أمرها إلا لما تولى عمر بن عبد العزيز لأن سليمان بن عبد الملك لم يظل كثيرًا حيث حكم سنتين فقط .
راسل عمر بن عبدالعزيز ملوك السِند ورغبهم في الإسلام ترغيبا وأرسل إليهم أنهم إن أسلموا بقوا على ملكهم كما هم فأسلموا وتسمى بأسماء العرب ودخلوا في طاعة الإسلام ومنذ ذلك الوقت وهذه البلاد بلاد إسلامية في ميزان حسنات محمد بن القاسم وعمر بن عبد العزيز.